يقدم (مركز التطوير الرقمي-DDC)، شرحا مجملا لتفاصيل الحرب الاقتصادية، التي نشبت بين الصين والولايات المتحد، حيث ان اغلب الناس لا يعرفون تفاصيل هذه الحرب او ان شئت نسميها “المنافسة او سباق”، بين البلد.
يبدو أنّ موعد معركة الجيل الخامس التي تقودها الصين مقابل الصناعات الأخرى التي تقودها الولايات المتحدة قد حان اليوم.
وفي عالم التقدم التكنولوجي الباهر، تتقدم الولايات المتحدة على منافسيها منذ فترة طويلة ببعض الصناعات، فهي تُنتِج أسرع الحواسيب في العالم، بالإضافة إلى أنها تُنتج المقاتلات الأكثر فتكاً، ووصولاً إلى الروبوتات الفعالة.
في المقابل نجد أنّ الصين، وهي ثاني أكبر إقتصاد في العالم، تقوم باستثمارات ضخمة في الصناعات المتقدمة.
هذا التقدم الذي تشهده الصين جعل من معركة الإقتصاد معركة حقيقية مع البدء بفرض القيود على الأجهزة المصنّعة في الصين، وادعاء الولايات المتحدة أنّ الصين تسرق بعض الأجهزة التقنية كتكنولوجيا أشباه الموصلات (Semiconductors)، والتي تُعَدّ من أهم الصناعات المستعملة في أجهزة الحاسوب، والهواتف الذكية، بالإضافة إلى الصناعات الطبية المتطورة. وزعمت الولايات المتحدة أنّ هذه الصناعات هي حقٌ حصريٌ لها، وأنّ العلماء الصينيين يأخذون هذه التقنيات من الصناعات الأميركية.
ويمكننا أن نقول إنّ تقنية الجيل الخامس، والتي توفر سرعة عالية في نقل البيانات ضمن شبكات الهواتف المحمولة، كانت من أعنف المعارك على صعيد التقدم التكنولوجي، وذلك بعدما اعتبرت الولايات المتحدة أنّ العملاق الصيني “هواوي” سيشكّل الخطر الأكبر على نظام أمن المعلومات العالمي في حال تمكّنت الشركة الصينية بالفعل من السيطرة على الشبكات التي تقدّم هذه التقنيات. وتوسّعت هذه المعركة لتشمل التقنيات الأخرى مثل الذكاء الصناعي، والذي يعد الثورة الصناعية الجديدة التي ستؤدي بنا إلى التعاطي مع الواقع الممتد (extended reality) وإجراء العمليات الجراحية عن بعد، وغير ذلك.
ومن الأمثلة الإضافية على التطور التكنولوجي الهائل، نجد أنّ الحواسيب الكمومية (Quantum Computers) قد تساعد في اكتشاف عقاقير جديدة، إضافةً إلى قدرتها على فك الشيفرات في أجهزة الإتصالات، ونقل المعلومات التي كان الاعتقاد سائداً بأنها غير قابلة للإختراق. وكذلك قد يكون للقيادة الذاتية الآمنة تأثيرها في عالم المواصلات، بالإضافة إلى أشباه الموصلات (Semiconductors) التي ذكرناها آنفاً، وصناعة وحدة المعالجة المركزية (CPU) في أجهزة الكمبيوتر.
وهكذا يتّضح إذاً أنّ المعركة تكمن في أهم المجالات في التطور التكنولوجي. لكن ماذا عن شبكة الجيل الخامس وغيرها من ميادين التنافس التكنولوجيّ؟ وما التفاصيل التي يفيد الاطلاع عليها في هذا الصدد؟
شبكة الجيل الخامس
وصف المدعي العام للولايات المتحدة “وليام بار” التحدي الحاصل بين الولايات المتحدة والصين، وهيمنة الأخيرة على تقنية الجيل الخامس، بأنها من أكبر التحديات التي تهدّد الأمن القومي والإقتصاد الأمريكي. وأضاف أن الشركتين العملاقتين “هواوي” و”زد تي إي” تمثّلان حوالي 40% من سوق البنية التحتية لشبكة الإتصالات. وهذا السوق يضخّ تريليونات الدولارات في النشاط الإقتصادي.
وما جعل الأوضاع أسوأ من وجهة النظر الأميركية، أنّ الشركتين الأميركيتين الشهيرتين المتخصصتَيْن في صناعة أجهزة الإتصالات “موتورولا” و”لوسنت” أصبحتا مملوكتين من قبل شركتي “نوكيا” الفلندية و”إريكسن” السويدية. وهذا ما جعل كفة القدرة التنافسية راجحة لصالح شركة “هواوي” الصينية، خاصةً بعد أن أقدمَت الشركتان الأميركيتان على تسريح العمال.
وبقيت في ميدان المنافسة ثلاث شركات أميركية هي: “سيسكو” وهي شركة عملاقة تعمل في مجال ربط شبكات الهاتف الخلوي، و”كوالكم” و”إنترديجيتال”، وهما الشركتان الرائدتان والسباقتان في صناعة التكنولوجيا الخلوية. بالمقارنة بين هذه الشركات الأميركية وشركة “هواوي”، نجد أنّ المكاسب المالية تتعدى نسبة 60% لصالح شركة “هواوي” الصينية، وذلك لأنّ معدات الربط الهوائية تشكّل الجزء الأكثر تحقيقاً للأرباح في سبيل إنشاء شبكات الجيل الخامس.
أضِف إلى ذلك، سرعة الشركة الصينية في إنتاج المعدات اللازمة، ما منحها القدرة على المنافسة، ودخول الأسواق العالمية بقوة. إلا أنّ العقوبات التي واجهتها هذه الشركة سيكون لها تبعاتها على صعيد الإنتاج والتسويق. ومع ذلك، تبقى الأفضلية للصين في مجال شبكات الجيل الخامس.
الذكاء الصناعي:
الصين في هذا المجال رائدةٌ أيضاً. وقد استثمرت شركتا “علي بابا” و “بايدو” العملاقتان الصينيّتان مليارات الدولارات في الأبحاث المتعلقة بالذكاء الصناعي. وأعلنت “بكين” عن نيّتها الوصول إلى الريادة في مجال الذكاء الصناعي بحلول عام 2030، واضعةً تصوّراً مفاده أنّ الصناعة المحلية في هذا المجال سوف تبلغ 150 مليار دولار.
في المقلب الآخر، ومع أنّ الصين تؤدي دوراً مهماً في مجال الذكاء الصناعي، إلا أنّ ذلك لم يمنع الشركتين الأميركيتين “مايكروسوفت” و”ألفابيت” من الوصول إلى الصدارة في هذا السباق، مع استثمارات هائلة لتطوير الذكاء الصناعي.
وقد برزت معالم هذا السباق في مجال الإعلانات ومحرّكات البحث، بل وقد عمدتا إلى بيع هذه الخدمات إلى الحكومات وأجهزة الشرطة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ إجراء الأبحاث لا يقتصر عادةً على الشركات وحسب، بل إنّ هذا الأمر يمتد إلى الأبحاث الجامعية من خلال مزج العديد من الأبحاث بين الجامعات والشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا، بالإضافة إلى التبادل الأكاديمي بين الولايات المتحدة والخبراء الكنديين والأوروبيين وحتى الصينيين أنفسهم.
وعلى كلّ حال، مازالت خدمات الذكاء الصناعي تحتاج إلى الكثير من الأبحاث للاستفادة من خدماتها في القطاعات الجديدة مثل القيادة الذاتية والرعاية الصحية.
التقارب بين الولايات المتحدة والصين.
الحواسيب الكمومية (Quantum Computing):
على عكس الحواسيب الحالية والتي تستعمل الثنائية صفر وواحد في تمثيل البيانات، يستعمل الحاسوب الكمومي المراوغات الذرية بحيث يُسمَح للجسيمات بإنشاء أكثر من حالتين. وهكذا يصبح تحليل البيانات ومعالجتها أسرع إذا ما قارنّاه مع الحواسيب العملاقة الحالية.
لكن ما زالت هذه التقنيات غير مكتملة، وقد يستغرق هذا الأمر عقداً كاملاً أو أكثر. أما الجهاز الذي يستعمل عدداً أكبر من “الكيوبت” (Qubit) (الوحدة الأساسية للمعلومات الكمية)، فهو من إنتاج شركة “غوغل”،وهو يحتوي على 72 كيوبت.
ورغم أنّ الصين بدأت بصناعة أجهزة حواسيب كمومية، ولكن الولايات المتحدة ما زالت تتقدم دولةَ الصين في هذا النوع من الصناعات.
والجدير ذكره أنّ التكنولوجيا الكمومية لا تقتصر على الحواسيب فقط، بل إنّها تمتد لتشمل أجهزة الإتصالات.
ونظراً لسرعة الأداء في هذه التكنولوجيا، والأمان الذي توفّره على صعيد الاتصالات، اتجهت الصين بقيادة العالم “بانجين وي” إلى تطوير أجهزة للاتصالات، تعمل بالتقنية الجديدة لتشمل أيضاً الرادارات والحساسات.
وفي عام 2016، أطلقت الصين القمر الصناعي Micuis. وهذا القمر يستعمل أشعة الفوتون للإرسال، ما يجعل اختراق المعلومات المرسلة أمراً صعباً.
وخلاصة الكلام هنا أنّ الولايات المتحدة تتفوّق على الصين في صناعة الحواسيب الكمومية. وفي المقابل، تتقدّم الصين على الولايات المتحدة بأشواط في مجال أجهزة الاتصالات والتشفير. وهذا التقدم يضاف إلى الأجهزة العسكرية. وبذلك تكون الأفضلية للولايات المتحدة في الحواسيب، وللصين في أجهزة الإتصالات.
أشباه الموصلات (Semiconductors)
أنفقت الصين عشرات المليارات من الدولارات في العقود الماضية لتطوير صناعة أشباه الموصلات. وتُعَدّ أشباه الموصلات من المكونات الأساسية لصناعة أجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية الأسرع، بالإضافة إلى صناعة الأسلحة المعقدة. وتشير الإحصاءات إلى أنّ الصين استوردت 47% من حاجاتها لأشباه الموصلات من الولايات المتحدة في عام 2018.
وتُعتَبَر شركة “سامسونغ” الكورية و شركة “تايوان” لصناعة أشباه الموصلات من أهم الشركات على مستوى العالم لتصنيع أجهزة أشباه الموصلات.
وحالياً، تعتمد الصين على إنتاجها المحلي لأجهزة أشباه الموصلات. وقد شمل هذا التحول هاتف “هواوي” الذكي الذي يعمل بتقنية الـ5G الذي تم إطلاقه العام الماضي بمعالج مركزي Kirin 980 + Balong 5000 من شركة “Hisilicon ” التابعة لشركة “هواوي”. ويحتوي الهاتف الذي أنتجته “هواوي” في السنة الحالية على المعالج المركزي Kirin 990 5G.
إذاً، فإنّ توجّه الصين إلى إستراتيجية الاعتماد على الصناعة المحلية في أشباه الموصلات جعلها تؤمن أنّها وعلى المدى القريب سوف تحظى بالقدرة على إنتاج حاجتها والمنافسة في نفس الوقت. ورغم ذلك كلّه، الأفضلية هنا ما زالت للولايات المتحدة.
القيادة الذاتية:
شرَعت شركة “وايمو”، التي تمتلكها “غوغل”، وكذلك شركة “جنرال موتورز” في إجراء اختباراتٍ لتكنولوجيا السيارات من دون سائق. وساعدت هذه التكنولوجيا الشركات الأميركية الأخرى بالمضيّ قُدُماً من أجل تلبية حاجات هذه التكنولوجيا، عن طريق تقديم أسلوبٍ جديدٍ لعمل الرادارات وكاميرات المراقبة معاً. وكان للشركات المتخصصة بتصنيع أشباه الموصلات الدور الأساسي في تأمين المعالج المركزي المناسب لهذا التطور.
وفي هذا المجال يتّضح أنّ الصين مستعدةٌ لهذه المنافسة. وثمة عوامل عدّة تساعدها على ذلك، وأهمها أن الصين تضمّ واحداً من أكبر أسواق السيارات في العالم، إضافةً إلى أنّ السكان يفضّلون اللجوء إلى المنافسَيْن المحلّيَّيْن “بايدو” و”ديدي”. وسوف يساهم التعداد السكاني بإعطاء الشركات الصينية المزيد من البيانات لاستخدامها في تحسين هذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى أنّ الصينيين يبدون أكثر إستعداداً من غيرهم لخوض التجارب، ففي إحصاء قامت به شركة Deloitte في العام الحالي، تبيّن أن 48% من الأميركيين يعتبرون أنّ السيارات ذات القيادة الذاتية غير آمنة، بينما ظهر من خلال الإحصاء أنّ 35% فقط من الصينيين اعتبروا أن القيادة الذاتية غير آمنة.
والأهمّ في هذا السياق، أنّ البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس للاتصالات في الصين تساعد على نقل البيانات لحركة مرور السيارات، والتحكم بالمركبات عن بعد، والتدخل عند الحاجة. وبناءً عليه، يتبين أنّ السباق قائم على أعلى مستويات التكنولوجيا المدنية والصحية. لكن بالتأكيد هذا السباق سوف يكون له التأثير المباشر على تطوير المنظومات العسكرية أيضاً، وبالأخص منظومات الأسلحة الدقيقة وبعيدة المدى من جهة، وأجهزة الاتصالات والتشفير من جهة ثانية.