تتطور الحرب ولم تعد تتلخص في استخدام الأسلحة ضد الأهداف، ولكن باتت تتعلق بجمع المعلومات ومعالجتها.
يقول الكاتب جون غيزنل في المقال الافتتاحي الذي نشرته مجلة لوبوان (Le point) الفرنسية، إن الحرب تتطور ولم تعد تتكون فقط من عمليات “حركية”، أي استخدام أسلحة لضرب هدف مادي أو بشري من أجل تدميره.
ويركز الكتاب الجماعي المعنون بـ”حروب المعلومات في العصر الرقمي”، الذي ألفته كل من سيلين مارانجي ومود كويسارد في إطار أنشطتهما البحثية في معهد البحوث الإستراتيجية في المدرسة العسكرية في باريس، على أحدث الدراسات حول حروب المعلومات.
وتحتوي الببليوغرافيا في نهاية المجلد على مرجعين فقط صدرا قبل عام 2012. لكن تذكر كل من مارانجي وكويسارد في مقدمة الكتاب أن الحرب النفسية ليست حديثة، وأن الحرب الباردة مثّلت العصر الذهبي لانتشار الدعاية والتضليل.
استهداف واسع النطاق
في عام 2020، كانت حرب المعلومات تتعلق بالقوات المسلحة التي تستخدمها كأحد أسلحتها التكتيكية والإستراتيجية. يشرح المقدم إيريك غوميز، رئيس المركز الوطني والباحث في بإرسيم، الاستهداف في مشاركته في الكتاب أن القوات المسلحة فضلت “الاستهداف واسع النطاق” على مدى السنوات العشر الماضية.
ويجري غوميز مقاربة بين “الأفعال التي يتم القيام بها في المجال الحركي مع تلك التي يتم تنفيذها بوسائل غير فتاكة، مثل التأثير العسكري أو عمليات الاتصال أو حرب الإنترنت أو أعمال الحرب الإلكترونية”.
الحرب”الكلاسيكية”تنطبق على أولئك الذين يحملون السلاح. أما حرب المعلومات فتختلف عنها لأنها عمل خفي تقوده الدول وكذلك الجماعات الخاصة (رويترز)
حرب خفية وسرية
يبيّن الكاتب أن الحرب “الكلاسيكية” تنطبق على أولئك الذين يحملون السلاح. أما حرب المعلومات فتختلف عنها لأنها عمل خفي وسري تقوده الدول وكذلك الجماعات الخاصة.
في هذا الصدد، يشدد الكتاب على أن روسيا قد أخذت زمام المبادرة، “من خلال الإدارة الرئاسية ووزارتي الخارجية والدفاع و”الهياكل النافذة”، نجحت الدولة الروسية خلال عقد من الزمن في توظيف التقنيات الحديثة خدمة لمفهوم المعلومات الذي ما زال متوارثا من الحقبة السوفياتية إلى حد كبير”.
نُسبت الهجمات على الحملة الانتخابية لمرشحة الرئاسة الأميركية لعام 2016 هيلاري كلينتون إلى الروس. ومع ذلك، لا يرغب قادة المخابرات الفرنسية في تحميل موسكو مسؤولية الهجوم على قناة “تي في5 موند” (TV5 Monde) عام 2015، أو اختراق رسائل البريد الإلكتروني لفريق إيمانويل ماكرون في الأيام الأخيرة من حملة عام 2017.
قدرات على الصمود
يؤكد هذا الكتاب أن التحدي يبدو صعبا بالنسبة للأنظمة الاستبدادية، إذ إن “المهمة صعبة لمن يريد مراقبة المعلومات أو قمع المعارضة أو منع تداول الحقائق المحرجة”.
وقد أثبت مثال حدث في روسيا هذا الواقع وذلك من خلال الرد “المعلوماتي” للخصم أليكسي نافالني على اعتقاله ثم سجنه. فبمجرد سجنه، كشفت فرقه على مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود قصر سري لفلاديمير بوتين.
يضيف الكاتب أنه في المجتمعات الديمقراطية ليست التحديات أقل صعوبة، فـ”جمع البيانات عبر الإنترنت وتحليلها يجعل من الممكن معرفة ميول وتوجهات الشخص، في حين تسهل معالجة الخوارزميات استهدافه”.
من خلال الإشارة إلى الفضيحة المرتبطة بممارسات شركة كامبريدج أناليتيكا أثناء الحملة الأميركية لعام 2016، لاحظ المؤلفون بشكل غير متوقع أنه “عموما، تشكل حروب المعلومات عوامل تسرع تطورات المجتمعات الديمقراطية وتضع قدراتها على الصمود على المحك”.