بات الذكاء الاصطناعي يلعب دورا كبيرا هذه الأيام، في مجاراة الأحداث على الواقع، وآخرها كان انتشار صورة لإلقاء عناصر في الشرطة الأمريكية، القبض على الرئيس السابق دونالد ترامب.
وبدت الصورة، واقعية إلى حد كبير، لكنها لم تكن أكثر من تزييف جرى بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتناقلها عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعددت في الآونة الأخيرة البرامج التي تعتمد الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور بناء على تعليمات نصية مكتوبة، كما تزايدت شعبيتها وتوسع استخدامها، مما أثار تساؤلات عدة بشأن التطور الذي قد يحدث مستقبلا في هذا المجال.
ورغم الاستخدامات الواسعة لتلك البرامج، التي تتلقى طلبات متباينة، تبدأ من رسوم عادية على غرار “سانتا كلوز”، أو حتى غير منطقية مثل “كلب في الفضاء”، إلا أنها تستطيع في النهاية إنتاج صور تشبه لقطات احترافية، وبدرجة قريبة جدا من الواقعية.
بيد أن هذه التقنية استمرت تواجه مشكلات عدة، بينها على سبيل المثال، العجز عن إنتاج صور لأجزاء محددة بالجسم تنبض بالحياة، على غرار الأيدي، واقتصر إنتاجها، لفترة طويلة، على لقطات لأياد منتفخة، أو بمعصمين غير طبيعيين، أو حتى بأكثر من 5 أصابع، وهي علامات لطالما فضحت زيف هذه الصور، وكشفت أنه تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وفي منتصف الشهر الجاري، أصدرت شركة “ميد جيرني”، وهي شركة شهيرة عاملة بهذا المجال، تحديثا مهما لبرنامجها، أكد مختصون عاملون في المجال أنه بات قادرا على إنتاج صور خالية من العيوب.
وأطلق هذا التحديث تساؤلات بشأن “خطر المحتوى” الذي يتم إنشاؤه من قبل الذكاء الاصطناعي المفرط الواقعية، الذي يصعِّب عملية اكتشاف الصور المزيفة.
وبعدما كان يتعين على الشخص العادي أن يمعن النظر بأصابع اليد مثلا في الصورة، أو لتأمل تفاصيلها بتركيز كبير، حتى يكتشف زيفها أو واقعيتها، فإن “التفاصيل الدقيقة التي بات الذكاء الاصطناعي قادرا على تضمينها في الصور، باتت تصعب ذلك الأمر تماما”، وذلك بحسب أستاذ الطب الشرعي الرقمي بجامعة كاليفورنيا، هاني فريد.
وعلى مدار العام الماضي، شهدت تقنيات تحويل النص إلى صورة ما يمكن اعتباره ثورة تقنية حقيقية، بالتزامن مع زيادة ملفتة في برامج “الذكاء الاصطناعي التوليدي”، الذي بات قادرا على التفاعل مع المستخدمين، وإنتاج محتوى مكتوب ومسموع ومرئي، سواء كان صورة أو حتى مقاطع فيديو.
ومن أشهر هذه البرامج “دال إي 2″، الذي ابتكرته شركة “أوبن آي”، وقد أحدث هزة كبيرة في عالم الإنترنت، حين تم إطلاقه في يوليو الماضي.
والمعروف أن هذه الشركة الناشئة ذاتها، أطلقت برنامج الدردشة القائم على الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” في نوفمبر الماضي، الذي حقق رواجا كبيرا وأطلق منافسة محتدمة بين شركات التكنولوجيا الراسخة، مثل مايكروسوفت، وألفابيت المالكة لغوغل.
وفي أغسطس الماضي، أصدرت “ستيبل ديفيوجن”، وهي شركة ناشئة أخرى، برنامجها لإنتاج الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد نافس “دال إي 2″، بالنظر إلى أنه قلل من قيود الاستخدام.
وخلال الصيف الماضي أيضا، أطلقت “ميد جيرني” نسختها الخاصة التي جذبت الانتباه، بعدما فازت صورة من صنع برنامجها للذكاء الاصطناعي بمعرض ولاية كولورادو.
ويحذر أستاذ الطب الشرعي الرقمي، هاني فريد، من قدرة برامج مثل “ميد جيرني” على إنتاج صور يصعب على عقل الإنسان العادي اكتشاف زيفها، مما يفتح مجالات عدة لإساءة استخدامها، سياسيا على سبيل المثال، مثلما حدث مع صور اعتقال ترامب الأسبوع الماضي.
ويقول: “رغم أنه لا تزال هناك أدلة على أن الصورة مزيفة، إذا أمعنا النظر مثلا في خلفية الصورة، فإنه من السهل إقناع البعض بأنها صورة حقيقية”.
ويحث فريد، شركات الذكاء الاصطناعي، على دراسة “الأضرار” التي قد تسببها تقنياتها المتطورة، ويقترح حظر إنتاج صور بعينها، أو إضافة علامة مائية مميزة للصور غير الحقيقية، ومنع الحسابات المجهولة من استخدام برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة.